تقنية البلوكتشين

إذا كنت قد عملت في قطاع سلاسل الامداد أو قرأت عن هيكلة الأنظمة القائمة عليها هذه العملية، فلابد أنك أدركت مدى صعوبة ادارة العملية وما تتضمنها من سجلات ورقية، وعشرات الوسطاء، وتتبع للشحنات، والتحديثات المستمرة وأهمية مشاركتها مع الأطراف الأخرى في الوقت الفعلي، فبالرغم من التّطور التقني الحاصل اليوم، لا زال يواجه هذا القطاع العديد من التحديات، والتي تتزايد مع تزايد العمليات والمستخدمين، وهذا الكم من الخسائر التي تكبدها هذا القطاع نتيجة التحديات التي يواجهها، هي الدافع للعديد من رواد الأعمال لمواصلة البحث عن الحلول المبتكرة والتي تساهم في رفع كفاءة أنظمة سلاسل الإمداد وفاعليتها.

أحدثت تقنية البلوكتشين مؤخرا ثورة في هذا القطاع، نتيجة هيكلة وخصائص هذه التقنية ومدى فاعليتها مع أنظمة سلاسل الإمداد، فمن هذه الخصائص التي ساهمت في جعل العديد من الجهات تبدأ في دراسة ووضع الخطط لتبني هذه التقنية لبناء أنظمتهم:

 الثقة: تعتبر الثقة هي العامل الأهم في هذا القطاع، نظرا لتعدد الجهات المشاركة في هذه العمليات، والتي قد تتم على نطاق عالمي، حيث يمكن تحقيق الثقة عند استخدام تقنية البلوكتشين لبناء الأنظمة، وذلك لعدم قابلية حذف المعلومات بعد تخزينها على شبكة البلوكتشين، مما يساهم في حل المشاكل التي تواجهها الأنظمة الحالية من فقدان المعلومات والمستندات الهامة، كما تساهم في حل مشاكل تقييد الوصول الى هذه المعلومات والحاجة الى أخذ الأذونات لاستعراض التحديثات أو استرجاع المستندات، والتي تشكل عائقا في مواصلة سير العملية وتأخير اتخاذ القرارات اللازمة تبعا للتحديثات الحالية، مما يسبب في زيادة التكاليف أو إحداث خسائر كبيرة، هذه الميزات التي تم ذكرها تُساهم في جعل بيئة النظام أكثر موثوقية وبناء الثقة بين الجهات المشاركة في عمليات سلاسل الإمداد 

 اللامركزية: تتطلب الأنظمة التقليدية وجود مالك واحد للنظام، والذي يملك الصلاحيات الكاملة للتصرف بالمعلومات المخزنة والعمليات القائمة، فإما أن تخضع الجهات الأخرى لاستخدام هذا النظام كعملاء، أو أن تقوم كل جهة بربط أنظمتها الخاصة بأنظمة الجهات الأخرى لبناء نظام واحد متكامل، والذي عادة ما ينتج عنه الكثير من المشاكل التقنية والتي تؤثر بشكل مباشر على سير العمليات.

أتت تقنية البلوكتشين بمفهوم اللامركزية، والتي تسمح ببناء نظام واحد مع إعطاء كل مشارك في هذا النظام الصلاحيات التشغيلية الكاملة، لتأدية دوره في العملية، مما يساهم في التغلب على تحديات الادارة وربط الجهات المختلفة مع بعضها، كما تُسهل عملية تبادل المعلومات والمستندات، والتي تواجهها الأنظمة التقليدية في قطاع سلاسل الإمداد.

 أتمتة المعاملات: أتت تقنية البلوكتشين بمفهوم “العقود الذكية”، والتي يمكن من خلالها أتمتة المعاملات، عن طريق تحديد الشروط والاتفاق عليها، ثم برمجتها ونشرها على الشبكة، ليتم تنفيذها تلقائيًا بمجرد استيفاء تلك الشروط دون الحاجة الى التدخلات الخارجية، مما يساهم في تحسين كفاءة النظام وتسريع سير العمليات، وزيادة الثقة بين الأطراف المشاركة في النظام وضمان حقوقهم.

 الشفافية: إن أحد المقاييس الأساسية لمدى كفاءة أنظمة سلاسل الإمداد، هو إمكانية تتبع حالة السلع أو المنتجات الحالية، ونشر ومتابعة التحديثات بالوقت الفعلي. تحقق الأنظمة المبنية على تقنية البلوكتشن مستوى أعلى من الشفافية، حيث يمكن لجميع مستخدمي النظام الوصول الى السجلات الخاصة بالسلع، ومراقبة التحديثات بشكل مستمر، كما أن خاصية عدم قابلية حذف البيانات بعد نشرها تمنع التلاعب بالنظام، وتضمن صحة المعلومات المنشورة للعملاء.

هذه الخصائص والتي تعتبر من أبرز خصائص تقنية البلوكتشين كانت كفيلة بإحداث ثورة في قطاع سلاسل الإمداد ودفع أصحاب الاهتمام الى استكشاف الحلول الممكنة، ولكن بالرغم من ذلك كله، إلا أن حقيقة عدم وصول تقنية البلوكتشين الى مستوى النضج المطلوب والذي يمنح الشركات الثقة الكافية لتبني هذه التقنية، كان عائقًا أمام تشغيل هذه الحلول بشكل فعلي، حيث لا زالت العديد من الأنظمة تحت الاختبار والتجربة، ولا زالت الشركات في انتظار الوقت المناسب حتى تأخذ خطوة الى الأمام. 

كتبته ا عائشة الجابري